نريد بنية اجتماعية اقتصادية

الدكتور بسام الزعبي
بينما يبحث البعض عن تأمين الحد الأدنى من الدخل لتأمين لقمة العيش له ولعائلته، وبما يضمن توفير عيشة كريمة لهم، يسعى البعض لزيادة أمواله وأملاكه وأرصدته في البنوك الدخلية والخارجية، بعيداً عن أية اعتبارات اقتصادية أو اجتماعية أو إنسانية، فالبعد المادي وحجم الثروة أصبح الشغل الشاغل للكثيرين في مجتمعنا.
مقال نوعي وواضح وصريح كتبه معالي الدكتور بسام الساكت، ونشرته الرأي يوم الثلاثاء الماضي تحت عنوان (دينار واحد في تنمية مزدوجة)، فقد بدأ الساكت المقال بقوله (في اقتصادنا، ومجتمعنا، وفي عاصمتنا، كغيرها من بلدان وعواصم، تنمية غير متوازنة، تعيبها ظاهرة الازدواجية الاقتصادية الاجتماعية (Socio-Economic Dualism).
المقال يشخص حالنا وأحوالنا الاقتصادية بطريقة سردية مشوقة، ومؤلمة في الوقت نفسه، إذ يصف المقال تفاصيل دقيقة جداً من حياة نسبة كبيرة من أبناء الأردن، والذين ينتشرون في وسط البلد وفي معظم مدننا، والذين يسعون لتأمين الحد الأدنى من الدخل لتغطية نفقات أسرهم الأساسية، فالرفاهية ليست هدفاً لهم، فهم يدورون الدينار الذي يحصلون عليه في يومهم ويشترون به جزءً من متطلبات عائلاتهم التي أرهقها الفقر بحكم عدم قدرتها على تلبية الاحتياجات الأساسية.
ويشير الساكت في المقال إلى أنه التقى بائع (جوافة) واكتشف أنه وجاره البائع الذي بجانبه هما (مدرسين)، ويعملان بعد دوامهم المدرسي في بيع الخضار وسط البلد!!، وهنا أسجل أنا موقفاً شخصياً لي (أن بعض المعلمين في المدارس الخاصة يعملون رجال أمن في أحد المولات الكبرى في عمان!!.. بينما طلبتهم يدخلون المول وينفقوا عشرات الدنانير على الطعام والترفيه)، وهو مؤشر واضح على مدى المعاناة التي يعيشها المعلم في بلدنا.
ويشخص الساكت ويصف القيمة الحقيقة للدينار في ذلك المكان الذي زاره، فيقول (لدينا في سوق وسط المدينة «قوة شرائية» عالية، وأعلى منها في مناطق وأسواق داخلية أخرى. وتلمس بزيارة وسط المدينة، تنوع الباعة والحضور من كبار سن وأطفال ونساء وشباب في العشرينيات، وكيف يشتري الفقير بيننا، وبديناره، الكثير: بدينار يشتري حذاء أو سترة وبخمسة أو عشرة دنانير يحصل على ما يستر جسده وقدميه ورأسه من البرد).
الوصف العام لحالنا كما ورد في المقال يوصلنا لنتائج اقتصادية واجتماعية مؤلمة، وكما لخص الساكت المشهد بالقول (نريد بنية اجتماعية اقتصادية)، وهي العبارة التي اخترتها عنواناً لمقالي، فمن هنا تبدأ المشكلة بأننا نفتقد لتلك البنية المزدوجة الأساسية في أي مجتمع أو دولة.
وعلينا أن نكون أكثر تكاتفاً وتراحماً مع بعضنا البعض، وأن يكون لدينا رؤية اجتماعية اقتصادية للخروج من أزماتنا الصغيرة التي تؤرق حياة نسبة واسعة من مجتمعنا، فهؤلاء لم يعد لديهم القدرة على الشكوى، وليس لديهم الوقت لتحليل الظروف والأوضاع التي يعيشونها.. لأن (دينارك المنفق على سائل أو محتاج، أو بائعة منزلية، له قوة شرائية عالية، وله قوة أعظم عند الخالق).. وهذا ما أشار له الساكت، وما أختم به أنا هذا المقال.

18-شباط-2023 15:32 م

نبذة عن الكاتب